بقلم الشاعر 🔵⚪🔴 د.احمد البنا ⚪🔴🟢 السنة الماضية🔴⚪🔵_
#السنة_الماضية
قصة قصيرة / احمد البنا
اضطجعت لأخذ قيلولتي ، في غرفة ضيقة تحت السلم شبيهة بسرداب سري تحت الأرض ، ولكن المفارقة العجيبة أني اسمع كل الاصوات تقريباً ، اصوت الرعود والريح والمطر ، و أصوات متفرقة متقطعة لصغار وكبار ونساء ينادين على اولادهن ، وتتداخلها الاصوات ببعض النباح ، وأصوات مركبات ودرجات نارية ، تسمع معها أغاني تصدر أحيانا بالتزامن مع اصوات المركبات والدراجات .. تبدأ أصواتا صغيرة وتكبر رويدا وبنفس الطريقة تعاود صغرها إلى أن تختفي ،..
و أه .. كدت أنسى أصوات الغربان المميزة .. فنحن الآن في شهر سبتمبر أيلول ، ففي هذا الوقت من كل عام يبدأ توافد مجموعات من الطيور على المنطقة ولكن الشئ البارزة منها الغربان نوعان .. حجما منها صغير ذات رأس كبير ، يشابه نفس الحجم لرؤس العربان الكبيرة إلا أن الأخيرة يتناسق حجمها مع رأسها ، بينما الصغيرة تبدو في منظر عجيب مضحك أحيانا .. البعض يطلق عليها إسم المطرقة ،
كم يعاني المزارعين في هذا الموسم ويشتكون أذى الغربان وضجيجها ، إذ تبدأ هي مباشرة موسم الحصاد قبل اوانه ، تقوم بالحفر بمناقيرها لإخراج بعض حبات الفول السوداني اسفل شجيرة المحصول و لم تنضج بعد فتعمل على تلف الشجيرات ، وهو يجعل المزارعين يشعرون بأن هذا الطيور لا تبحث عما تأكل فقط ، وانما ما تتلف وما تسبب من خسارة كبيرة لهم ،
للمزارعون قصص تروى عن الغربان ، منها.. بعد أن يجنوان المحصول ينشرونه على أسطح المنازل ليعرض للشمس ويجف بسرعة ، ولو غفلوا عن الغربان ساعة فقط ، لن يتبقى لهم إلا أقل من ربع الكمية التي تتركها الغربان لهم .. لإنهاء ليس بجودة الحبوب التي انتزعتها الغربان ، وترحلت بها إلى الجبال القريبة ، .. ففي عمل دؤب يمكن للغراب الواحد أخذ كمية تقدر بالكيس الكبير من حبيبات الفول السوداني باليوم الواحد ، وهناك في الجبل يجد رعاة الغنم طوال اكواما منها بين الصخور متناثرة هنا وهناك ، ..
المشاع أن الغربان برغم ذكائها إلا أنها تنسى بسرعة ، حتى أنها لا تستفيد مما تدخر شيئاً ، بسبب نسيانها للمكان الذي ادخرت فيه طعامها ،
و الحقيقة كما أشاهد بأم عيني أن الغربان تملأ المكان في هذا الموسم وقد تهجم دفعة واحدة على حقل فتحول لونه إلى أسودا ،..،،
لإخراج الآن من قصة الغربان المملة ،..
علئ أن أتساءل لماذا أنا هنا الآن ..؟
أشعر بالاختناق..! فما الذي يجبرني على البقاء في هذا السجن الاختياري ؟
لا أنا بنايم ولا بصاحي ....كما غنى الفنان ابوبكر سالم رحمه الله ..
نهضت من مكاني ... ولكن لم أنهض من هذياني بعد ..
ربما بدأت أتأثر بالغربان ، آه .. لقد نسيت شيئاً مهماً جداً ...
علئ أن أذهب إلى المتجر لشراء كل شيء تقريباً ...! فقد اخبروني في البيت أن مؤنة الشهر انتهت تماما ، ولكن من أين ..؟
أخذت ورقة و سجلت عليها دقيق وسكر وارز وزيت وأشياء أخرى من بعض ما تذكرت أنها اساسيات في مؤنت البيت ، وكانت المفاجأة المفزعة ..!
عندما سلمت للتاجر الورقة ،.. حبست انفاسي في انتظاره يجري حواراته الخاصة مع الآلة الحاسبة والورقة ويطرق قليلا أو يجري اتصالا ما ، واكتشفت أن قائمة أسعاره .. يتم تحديثها على مدار الساعة ، فيقول هناك ارتفع الدولار ريالا واحدا وقبل قليل كان قد زاد تسعة ريالا سعر الصرف .. وبالتالي ارتفع الضغط لدي لدرجة أني لم استطع التحمل وضبط النفس.. فقلت له :
لو سمحت اخي اعطيني تقديراً بإجمالي الثمن لتلك الاشياء المسجلة في الورقة ..
فأنا حتى لا أملك فلسا واحدا لادفع لك الان ..
حين يبدأ صرف الرواتب .. سأحوله راتبي بالكامل لحسابك .. و أخذ منك بقية الاشياء بنفس الطريقة التي كنا نتعامل بها العام الماضي ... فضحك مني بإزدراء قائلا :
نسيت وذكرتني يا حبيبي ...
أتعرف بأن مبلغ الدين الذي جمدته في حسابك العام الماضي لم تسدد منه فلسا واحدا ،
ونسيت بأننا اتفقتا ، على أن نوقف هذا التعامل وأن نتعامل نقدا ، وبان تسدد كل شهر جزء من الدين الذي عليك ،..
لقد خدعتني يا صديقي العزيز .. اشكرك على تذكيري الآن ..
تجمدت أمامه قليلا .. وأخيراً نطقت :
طيب ما الحل برأيك ...؟
فأجاب على الفور .. الحل أن تدفع ما عليك أولا ، ومن ثم ننظر في الأمر ،..
طيب لا يوجد شيئاً لدينا في البيت ..؟
وبنفس الابتسامة الصفراء الساخرة ،، رد على الفور : تلك مشكلتك وليست مشكلتي .
لو سددت ما عليك قبل عام حيث كان الصرف خمسة وعشرين بالمئة من قيمة الصرف حاليا ،..
أتعرف ربما لكنت قد استفدت من مالي ، وربحت منه عشرين أضعافا أواكثر ...! ،،
ولكن سامحك الله عزيزي ..
تقديرا للظروف ، ولانك زبونا دائما لدي اذهب و ،،دبر نفسك ،، من أي مكان آخر ،
أو اقترض المال من أي مكان وتعال إليَ ،،
أما الآن .. فلقد اقسمت يمينا أن لا ابع بالدين لأحد ما لم يصفي حسابه السابق ،،
و ارجوك لا تحرجني ... ،
دارت بي الأرض ، فتمنيت أنها ابتلعتني ... ولا صرت بهذا الموقف..! ،
فكيف اعود الى البيت وإلى الأولاد .. خالي الوفاض ، وأنا أملهم الوحيد .. ربما يكونون الآن يتصورون جوعا بإنتظار وصولي .. ،
وبينما أنا سائر في الطريق مهموما ..
رفعت رأسي لادعوا الله بالفرج ،.. فوقعت عيني على سرب من الغربان تصطف على أسلاك الكهرباء ،
وقتها تمنيت أني واطفالي غربانا ..
تعليقات
إرسال تعليق